ما الذي يجعل نموذج الترانسيرفينغ مميزًا ومحبوبًا؟ هل هو بسبب اسمه الغريب أو مصدره الغامض؟ ربما يكون ذلك بسبب أفكاره العميقة ومبادئه الجديدة التي تجمع بين العلم والفلسفة الروحية. أو قد يكون السبب في بساطة تقنياته التي يُقال إنها فعّالة جدًا.
البعض يقول إن الترانسيرفينغ ليس الوحيد......
ما الذي يجعل نموذج الترانسيرفينغ مميزًا ومحبوبًا؟ هل هو بسبب اسمه الغريب أو مصدره الغامض؟ ربما يكون ذلك بسبب أفكاره العميقة ومبادئه الجديدة التي تجمع بين العلم والفلسفة الروحية. أو قد يكون السبب في بساطة تقنياته التي يُقال إنها فعّالة جدًا.
البعض يقول إن الترانسيرفينغ ليس الوحيد الذي يدعي هذه الأمور، وأن مؤلفه فاديم زيلاند ليس الوحيد الذي يحيط نفسه بالغموض. وهناك من ينتقدون الترانسيرفينغ، مدعين أنه مجرد مزيج من أفكار وتقنيات معروفة من قبل، وأن زيلاند لم يقدم شيئًا جديدًا حقًا.
لكن البعض يعتقد أن القوة الحقيقية للترانسيرفينغ تكمن في كونه نمط حياة كامل، يقدم طريقة جديدة للفهم والتفكير، ومنهجًا عمليًا للعيش بوعي. وحتى لو كانت الأفكار قديمة، فإن الترانسيرفينغ يقدمها بطريقة جديدة وملهمة.
في النهاية، يبدو أن الجاذبية الحقيقية للترانسيرفينغ تأتي من تقديمه لمنظور جديد على الحياة، يجمع بين العالم المادي وعالم الإمكانيات، ويشجع الناس على العيش في اللحظة الحالية، مستفيدين من كل الفرص المتاحة.ترى ما هو سر جاذبية نموذج الترانسيرفينغ؟ و ما هي قيمته المضافة بعالم التنمية الذاتية ؟ و أين تكمن الجدة التي تتفرد بهاهذه النظرية الجديدة..؟
هل هذه الساحرية الجاذبة كامنة في غرائبية اسمها؟ و الذي هو عنوان دون عنوان و تحديده مختلف في الأذهان ... أم هي في عجائبية مصدرها الغيبي؟ وليست الترانسيرفينغ وحدها من زعمت هذا الزعم ... ام هي في غموض شخصية مؤلفها؟ و ليس فاديم زيلاند وحده من نحى منحى التمويه و التواري عن الأنظار... أم هي في عوالم مبادئها المدهشة و حقائقها المثيرة و الصادمة و المسربلة بالتحليل الكوانطي و مفاهيم الفلسفة الباطنية؟ وهي كلها في محصلتها معرفة قديمة تتنقل و تلقن بواسطة حماة حفظة و تتجلى بأشكال مختلفة في الوعي و السلوك الإنساني... أم هي في بساطة تقنياتها المشهود لها بالفاعلية؟ و في هذا الباب غالبية المركمجين كانوا برغماتيين إذ أكدوا على اشتغاليةالتقنية,و اختزلوا الجدل القائم في شعارهم المشهور :" النموذج شغال و الباقي لايهم ! ".. و حتى هذه الاشتغالية ليس الترانسيرفينغ وحده، دون سواه من النماذج، من يملك هذا الامتياز، و زيلاند ما فتئ يؤكد أن طرق الحرية و ان كان منهلها واحدا فصورها متعددة و متنوعة وكلها صائبة من وجهة نظر متبعيها، و فعالة في حال توفر شروط تحققها...أم ترى أن القيمة الجاذبة التي ينفرد بها الترانسيرفينغ كامنة في كل اجزائه مجتمعة، باعتباره ليس مجرد نموذج في التنمية الذاتية، وإنما هو أسلوب حياة متكامل، بركيزة نظرية للفهم و التفكير، و منهج تطبيقي للممارسة الواعية في إطار الحركة و الفعل؟ و طبعا ليس الترانسيرفينغ و بكل مزاياه سوى أسلوب حياة ضمن أساليب حياتية كثيرة متوفرة و فاعلة...
فأين تكمن إذن القيمة الاصيلة و الجدة الجديدة و القوة الجاذبة لهذا النموذج إن لم تكن في كل هذه الجوانب قاطبة ؟
في عز اكتساح موجة الترانسيرفينغ لمشهد التطوير الذاتي بروسيا، كان من الطبيعي أن يظهر من يقتاتون على مجد من سبقوهم بركوب الموجة سواء مع او ضد وفق خطة مبيتة بأهداف مصلحية محضة. و ممن ركبوا هذه الموجة في اتجاهها المعاكس، أفرادا و جماعات من المثقفين الروس، نصبوا العداء لهذه النظرية، و الوا على أنفسهم دحض صدقية اصالتها و جدتها و تفنيد مزاعم اشتغاليتها. ومن أبرز الاصدارات و الأكثر رواجا في هذا الشأن: كتاب " ضد زيلاند " و كتاب " ضد الترانسيرفينغ " . و كلاهما من تأليف جماعي غايتهما الطعن في مصداقية زيلاند، و فضح ادعاء الإلهام السماوي و نفي الجديد و الفاعلية، لأن النظرية في نظرهم و بالأدلة و البراهين ما هي إلا خليط من المبادئ و التقنيات الأرضية الموجودة سلفا، منها ماهو مشهور للعامة و منها ما هو مغمور أو للنخبةالخاصة، طلاها زيلاند بطلاء مغاير. وفي جهد كبير من البحث و التقصي،ربطوا مفاهيم الترانسيرفينغ باطاراتها الاصلية، و سياقاتها التاريخية، في الثقافة الروسية و العالمية. و أعادوا كل مبدأ بنظرية الترانسيرفينغ إلى صاحبه الحقيقي، و كل تقنية إلى مبتكرها الفعلي، حتى لم يتبق بحوزة زيلاند اي شيئ اصيل، ربما فقط حديثه عن نفسه و عن سنوات طيشه و ضياعه!.. بالنسبة لهم فهذا التشريح و التفكيك النظري إضافة الى التناقضات الأصلية بين المفاهيم و المبادئ المنقولة و التقنيات المخلوطةكافية لدمغ الترانسيرفينغ بصفة الدجل و الشعوذة... ليس غريبا أن تنتهي هذه الجعجعة بلا طحين أو وقع يذكر ، فقد اتضح انه مجرد تحرش ثقافي ببندول الترانسيرفينغ طلبا للشهرة أو الربح ليس إلا.. و حتى لو سلمنا بجدية هذه الأبحاث المضادة و علمية ما ورد فيها، فإنها لن تزعزع قيد أنملة لوح المركمج الذي يعرف أن الترانسيرفينغ هي معرفة قديمة، صورها متعددة في الواقع المادي و اصلها قار في فضاء الاحتمالات. و أن العقل دائما يعيد بناء البيت الجديد بنفس الطوب القديم، و الروح هي مصدر التحف. لقد ركزوا على الطوب القديم فترائ لهم كل شيء قديما، و اغفلوا شكل البناء الجديد/التحفة..روح النظرية و هي اصالتها و جدتها الحقيقية و مصدر جاذبيتها و تفردها و علامة امتيازها. فاين يا ترى مركز هذه الروح بين مفاصل هذه النظرية؟..
انها بكل بساطة قابعة هناك على خطوط التماس بين الوجوه العديدة و المتفرعة للحقيقة و بالظبط في زمكانية اللحظة الانية(هنا و الان..) عند نقطة التعامد بين وجهي حقيقة الواقع(هنا و هناك..): الوجه المادي/الواقع=عالم الافعال و الوجه الطاقي/فضاء الاحتمالات=عالم الأفكار. أنها زاوية النظر الجديدة المنطلقة من فرضية ثنائية الحقيقة لتحديد التوازي بين بعدي حقيقية الواقع(المادي و الطاقي) انطلاقا من نقطة تعامدية على خط التماس بينهما تمكن من رؤية البعدين معا في توازيهما و تفاعلهما.(هذه الرؤيةالجديدة نجد لها اصولا في الفيزياء العصرية:الزاوية الاوربيتية،و في ابحاث الكوانطا:ثنائية الجزيئ/الموجة، وفي نظرية الاكوان المتوازية: تعدد العوالم).و هي اصل مسلمة الترنسيرفينغ و أساس بنائها النظري القائم على مقولتين رئيسيتين هما مقولة الأفكار و مقولة الأفعال، و هي منطلق المنهج التحليلي و أساس تطبيقاته العملية.
كل الاكتشافات الكبرى حدثت بفضل تغيير زاوية النظر..ونموذج الترنسيرفينغ في سعيه لنمذجة تقريبية لحقيقة الواقع ينطلق من شعار تقره العلوم - " الحقيقة حمالة اوجه "- ليتجاوز زوايا النظر التقليدية الأحادية التي تدرك وجها واحدا لحقيقة الواقع، و بالتالي وإن كانت كلها صائبة، فهي فقط جزء و ليست الحقيقة كاملة( حكاية الفيل و العميان : الأعمى الذي امسك بالخرطوم عد الفيل ثعبانا و الذي امسك بالرجل ظن الفيل جذع نخلة..).فكان الحل البسيط و العبقري نقل زاوية النظر إلى خطوط التماس بين الوجوه العديدة للحقيقة حيث الرؤية أوسع و أشمل و أكثر احاطة.و نظرا لاستحالة الالمام بكل الوجوه اللامتناهية للحقيقة و انسجاما مع نظام هذا الكون الذي يعرب عن ماهيته في ثنائية دائمة،وضع الترنسيرفينغ فرضيته الجديدة كون الحقيقة لها وجهان:وجه مادي فيزيقي و وجه طاقي ميتافزيقي،معتمدا زاوية نظر جديدة ثنائية الأبعاد، ترصد الحقيقة في هذا البعد و في ذاك..(و كأنما الفيل يظهر مرة كثعبان و مرة كجذع نخلة..).
لقد ظلت الإشكالية الجوهرية للفكر الإنساني متمركزة حول اصل العالم و تحديد ماهيته،فاحتدم النقاش عبر التاريخ بالحجج و البراهين- في لحاق لا ينتهي- بين رؤيتين متعارضتين: الاتجاه المادي الذي يعتبر ماهية العالم مادة،و الاتجاه المثالي الذي يعتبرها مجرد فكرة (الوسطية هنا لامعنى لها).. العلماء و الفلاسفة يتقارعون، والعالم في كل مرة يتفق مع كل القراءات و الاجتهادات, و يقبل كل الوصفات التي تعطى له،و هذا ما حذا بالترانسيرفينغ إلى اعتباره مجرد مرآة عاكسة للظنون و الاعتقادات..فالماديون ينظرون في الانعكاس و الميثاليون يحلقون مع السحاب..و وفق زاوية النظر الجديدة لايمكن فهم الحقيقة اعتمادا على وجه واحد فقط،لهذا صاغ الترانسيرفينغ مسلمته الجديدة : العالم مرآة ثنائية بوجهين. الوجه الاول فيزيائي مادي،ظاهر، ملموس و متحرك هو الواقع الذي نعيشه، و بموازاته وجه ثاني ميتافزيقي طاقي،خفي، قار و محسوس لا يقل موضوعية عن الاول هو فضاء الاحتمالات وهو مستودع كوني للأقدار بجميع احتمالاتها اللامتناهية التي تحققت أو ستتحقق أو العكس بالوجه المادي.و كلا الوجهان يشكلان المجال الطاقي لهذا الكون الديناميكي و المتحول من طاقة الى مادة و من مادة الى طاقة في ازلية ابدية... و يمكن فهم حقيقة وجهي الواقع وتفاعلهما انطلاقا من نقطة التعامد على خط التماس بين الوجهين المتوازيين.
ان اعتماد نظرية الترانسيرفينغ زاوية نظر جديدة تربط بين العلم و الازوتيريك مكنتها من القيام بالخطوة التي عجزت عنها العلوم،فقد عبرت كعلم إلى الضفة الأخرى لتعانق الإزوتيريكا بعقلانية و تعود بعد أن ردمت الفجوة بين الضفتين في توافق للعقل مع الروح لتقف "كعلم ايزوتريكي" على خط التماس بين العالمين الفيزيائي و الميتافيزيائي وتجمع الوجهين في حقيقة واحدة و تعيد تشكيل نمذجة تقريبية لفهم حقيقة العالم تتجاوز الرؤى التقليدية لتكشف عن عالم جديد مدهش و عجيب و في نفس الوقت صادم و رهيب، ولكنها تبقى الرؤية الأكثر " علمية " و الأقرب لحقيقة ما يعتمل في المجال الطاقي للكون. وبهذا تكون الترانسيرفينغ قد انهت لعبة الغميضة مع هذا العالم المرئوي، و تجاوزت الجدل الكلاسيكي بين العلماء و الحكماء حول ماهية العالم، لتفتح بذلك آفاقا جديدة رحبة و واعدة للفكر الإنساني .
لم تكن تلك الرؤية الجديدة لحقيقة الواقع هي المأثرة الوحيدة لزاوية نظر ترانسيرفينغ. فتلمس الحقيقة عند خطوط التماس بين وجهي الواقع أعقبه اكتشاف أكثر اذهالا و غرابة.! فخط التماس كلحظة آنية هو منطقة حدودية فاصلة بين الوجوه المتفرعة للواقع، وهي تجمع بين خصائص الوجه المادي و الوجه الطاقي معا، لذا هي منطقة برزخية، مرنة تمططية و شبحية أشبه بالاحلام،تتركز على طولها، مختلف الطاقات الحرة(طاقات الفكر و الخيال و السحر..)و هي لاتتيح فقط فهم حقيقة الواقع و كيفية تشكله، و إنما و بشكل غريب، يغذو هذا الواقع قابلا للتوجيه عن طريق الوعي كمؤهل ذاتي قادر على التأثير على العالم الموضوعي الذي هو طبعا غير مستقل عن الوعي المراقب .فطاقة الأفكار التي تراودنا بوعي أو دونه تدفع بالاحتمال الكامن بالوجه الطاقي، و الموافق لتردداتها، إلى التحقق بالواقع المادي. وعليه فعن طريق الاختيار الحر و الواعي لنوايانا يمكن توجيه واقعنا الخاص كما نود،. و نختار الاحتمال الذي نريده أن يتجلى في حياتنا. و بحسب زاوية نظر الترانسيرفينغ لا يمكن توجيه الواقع بالمراهنة على وجه واحد فقط، فكما الفنا التحكم بافعالنا في الواقع المادي علينا كذلك التحكم بافكارنا القارة بالعالم الميتافيزيائي،و إيقاظ و تسخير القوه الروحية إلى جانب قوة الفعل، ليصبح الواقع أكثر سلاسة و انقيادا لتطلعاتنا.ولهذه الغاية، و من أجل توجيه حر و واع للواقع،رسم الزترنسيرفينغ منهجا تطبيقيا سمته اليسر و البساطة لاكتساب مهارة توجيه الواقع بتنمية و تطوير عناصر الإنسان الاربعة: الروح و العقل و الجسد و المراقب.
خلاصة: امر عصي الامساك بجوهر الترنسيرفينغ المتعدد الوجوه،و من الصعوبة بمكان تحديد مكمنه بشكل دقيق و مظبوط. و قد حاولت من وجهة نظري تذويب هذا الفائض بالسعي وراء هذه القيمة من خلال مقاربة زاوية نظر المنهج الرابطة بين الجانبين النظري و التطبيقي. و كاجوبة اولية على أسئلة المقدمة و باقتضاب يمكن اعتبار ساحرية النموذج تتمثل في ذلك الاثر الإيجابي المحسوس الذي تحدثه النظرية في النفوس. و لأنها ذات طبيعة روحية تسري في كل أجزاء النموذج سيكون حصرها في جزء واحد فقط أمرا مجحفا. أما القيمة المضافة للنموذج بعالم التنمية الذاتية فهي في نظري منهجية بالتحديد تتمثل في الجمع بين العقلانية و الروحانية في منهج سهل و بسيط. و تبقى الجدة الحقيقية التي يتفرد بها النموذج متمثلة في زاوية النظر الجديدة الجاذبة لكل باحث عن معنى جديد للحياة مفعم بالرضى و الأمل. زاوية تتجاوز الرؤى التقليدية للمنظومة السائدة بعقائدها التضليلية، و ايديولوجياتها التنميطية القائمة على التقليد و الاتباع، و منطق التناقض و الصراع، و ثقافة التوسل و الاستجداء،لتؤسس لوعي جديد أساسه الحب و الانسجام، و جوهره التفرد و الإبداع، و قوامه الاستحقاق و الاستمتاع.
و أخيرا لا أدعي أن جلدة كتفي موشومة بخاتم مجرب ولا حتى مستوعب و إنما اعجابي انصب بالاساس على زاوية الرؤية الجديدة لهذه النظرية الفائقة و التي و إن لم تستطيع ان توجه بها رياح الواقع كما تشتهيها سفنك فعلى الأقل لاتصبح معها كالاطرش في الزفة و يكون لديك فهما كافيا و جوابا شافيا لجراح الأسئلة المتلاحقة حول ما يجري هنا و هناك ..و ربما تلك هي بواكير استيقاظ الوعي. يقول فاديم زيلاند:"إذا لم تستطيع أن تكون راعيا فعلى الأقل كف عن كونك كبشا ضمن القطيع. " إن مجرد قراءة و فهم بعض اكتشافات زاوية النظر الجديدة للترانسيرفينغ هي اكيد عملية ارتقائية بالوعي و درجة أعلى في سلم التحرر، و الشعور بتلك الطاقة الخلاقة هو أحد وجوه ساحرية النظرية.